سورة الكهف

تقع سورة الكهف في منتصف القرآن الكريم حيث تشغل الصفحات الثمانية من آخر الجزء الخامس عشر وبداية الجزء السادس عشر بثلاث صفحات لتسبقها قصة مريم وتليها قصة الإسراء، وهي مكيّة النزول وترتيبها التاسع والثلاثين، ويبلغ عدد آياتها مئة وعشر آيات، وفي سورة الكهف موضوعات عدّة تتمركز محاورها في أربع قصص عظيمة الأركان متلوّنة الموضوعات لتصبّ في أبواب عدّة مفادها التّنبّه والحذر من الفتن، والإنذار من وعيد الله عزّ وجلّ والبشرى للصالحين، وذلك من خلال عرض مجسّم لأهوال يوم القيامة، وتصوير شائق لنعيم الجنّة، ومن أبرز هذه القصص قصّة أصحاب الكهف التي سميّت السورة نسبة لأصحاب الكهف.

سبب نزول سورة الكهف

وعن السبب المباشر لنزول سورة الكهف فقد ذكره لنا مفسرون عدّة كابن كثير، وذلك عندما بعثت قريش النضر بن حارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود ليسألوهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت الإجابة بما يلي:

سلوا محمد عن ثلاث: فتية كانوا في غابر الزمان قد رحلوا لأمرهم، وعن رجل رحّال جال المشرق والمغرب، وأخيرًا عن جوهر الروح، فإن أجابكم فهو نبيّ صدقوه، إن لم ينبس ببنت شفة فكذبوه وافعلوا به ما تريدون، وعندما عادا وأخبرا قريش بذلك، وعندما ذهبوا إلى الرسول الكريم ليسألوه، قال لهم: غدًا أخبركم، ومضى خمسة عشر يومًا دونما ردٍ من النبي عليه الصلاة والسلام، مما جعله في حزنٍ شديد، حتّى أتاه الوحي بسورة الكهف ومعاتبًا له كمده من أمر قريش وما يتداولوه عن تأخّر الرسول الكريم بالردّ.

الكاتب

هناء محمد

الفئه

إسلاميات

نشرت يوم

03-11-2020

اجتماعي

stephanies_kitchen

فضائل سورة الكهف

إنّ لسورة الكهف كغيرها من السور فضائل عظيمة، أبرزها ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام: أنّها نورٌ لنا بين الجمعتين، فنعّما هي من نورٍ ربّاني ننعم فيه، ونذكر من فضائلها أيضًا:

  • ما ذكره المستغفريّ صاحب كتاب فضائل القرآنعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وكّل الله تعالى به سبعين ألف ملك يصلون عليه ويستغفرون له وكانت له نورا ساطعا من حين يتلوها إلى مكة.((
  • وذهب أيضًا الكاتب ليخبرنا عن خواتيم سورة الكهف من السنّة النبويّة الشريفة و زَبَدُ الكلام أنّ من قال:(من كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملًا صالحًا، ولا يشرك بعبادة ربّه أحدًا) كان له من النور الإلهي ما يروه أهل مكة وإن كان في عدن.
  • ومن عظيم فضلها علينا الصون من فتنة المسيح الدجّال و درئها فقد قال الرسول عليه صلاة الله وسلامه: ((فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْف)) وقال في موضعِ آخر: ((مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ((.
  • وعن الحفظ والسكينة والرحمة ما ذكره البراء بن عازب في صحيح مسلم، عندما كان يقرأ سورة الكهف حذاء دابته فاضطربت الدابة، وعندما أخبر صاحبها وهو أُسَيْد بن حُضَير رسول الله، فأجابه: بأنّ الدّبة هرعت من هول الغمامة التي أحاطته، والمقصود بالغمامة الملائكة.
  • وفي صحيح أبو داود، ما رواه لنا جابر بن عبد الله، في غزوة ذات الرقاع، وذلك عندما قتل أصاب أحد المسلمين امرأة رجلٍ من المشركين، فعزم رَجُلها أقسم أن يهرق دمًا، ثأرًا لزوجه، وبعد تتبعه لهم، وبينما كان أحد المهاجرين والأنصار يحرسون الجيش وهم نيام، وبينما كان الأنصاري في محرسه يصلي، والمهاجر كان نائمًا، عرف المشرك أنّهم يحرسون جيش الرسول الكريم، فرماه بثلاثة أسهم أنزال منها واحدًا وخاب اثنان في ركوعه وسجوده، وعندما استيقظ المهاجر ورآه بدمه لامه على تركه نائمًا، فأجابه: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها.

فمن العظمة بمكان أن نؤمن حقّ الإيمان بما نقرأ لتكون حجّة لنا لا علينا وحرزًا حريزًا يقينا ويحصّننا.

قصة أصحاب الكهف

وهي القصة التي تنهال علينا بالعظات والحِكم عن الرعاية الإلهية لخلقه، وعن قدرات الخالق اللا محدودة في كوننا الصغير إعادة الخلق بعد موتهم.

وقصص القرآن الكريم ذات مزيّة بحسنها الفنيّ وتصويرها المبدع ومضمونها المعجز فقصة أصحاب الكهف تبدأ بفتية سدّد الله خطاهم وألبسهم عباءة الإيمان، لما كان فيهم من تقوى، ورفضهم للباطل والشرك الذي كان يعتري قومهم عبدة الأصنام، فشرعوا مدبرين ظهورهم لقومهم خائفين من نفوذهم وتسلّطهم، فهرعوا معلنين فيما بينهم من التآلف والعقيدة والإيمان، فقال عزّ وجلّ في محكم تنزيله على لسان حالهم:

))رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)) 14-15 سورة الكهف.

ولمّا همّوا على رحيلهم لضيق ذات الذراع، وعدم تصريحهم لقومهم ما يختلج قلوبهم من إيمان بالله الواحد الأحد، سألوا الله التوفيق، فقالوا:

((رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)) سورة الكهف 10.

فلجأوا إلى غارٍ وفّقهم الله به، منزلًا عليهم شآبيب رحمته ورعايته، فكان متّسع الباب من جهة الشمال لكيلا تدخله الشمس البتّة لا في مطلعها ولا غروبها، ليرقدوا فيه بسلام بين يدَي الله تبارك اسمه، فطال هجوعهم

ليصل إلى تسع سنوات وثلاثمئة، ولم يقرب أحد الغار مدة نومهم، لأنّهم بمنأى عن قومهم، وقد تولّى الله المؤمنين بالحماية والرعاية، ونستشهد بذلك بقوله:

))وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلبُهُم باسِطٌ ذراعيه بالوَصِيد لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنهُمْ رُعبًا)) سورة الكهف 18.

والتقليب مرّة للجنب اليمين، وتارةً للجنب اليسار، كان ذلك صونًا لأجسادهم وللحفاظ عليها من الأرض لكيلا تأكلها، وغَلُبَ الظنّ في تفسير الكلب بعد التأويل المتعدّدة، أنّه لحمايتهم فبسطه لذراعيه في فناء الغار لوهم الناس، أو ما شابه والله أعلى وأعلم…

الحكمة من قصص سورة الكهف

وسنكمل في مقالنا ما حوته هذه السورة الجليلة بين سطورها من عِظات بالغة الأهمية ونرى ما وراء سطورها من المعجزات القريبة البعيدة التي جلعت المشركين مالهم من محيص أمام قدرات الله عز وجل المطلقة وأضعفت حُجَجِهم وأقاويلهم الباطلة، وتناولت السورة بين صفحاتها أروع القصص المضروبة عن الخلق، وجمعت بين حروفها النور الإلهي وذلك من خلال أربع قصص تنوّعت بين قصة أصحاب الكهف الأسباب الكامنة وراء القدرة الربانية في إعادة الخلق لحياتهم بعد موتهم، وقصة صاحب الجنتين، و ومضات من قصة سيدنا آدم وإبليس، وقصة النبيّ موسى عليه سلام الله مع العبد الصالح، وأخيرًا تنتهي السورة بقصة ذي القرنين، والمضامين عميقة غاية العمق في دلالات القصص القرآنية جمعاء ولا سيّما ما جاء في عِبَر سورة الكهف.

  • وعن حكمة الله تعالى في أصحاب الكهف ما ذكره الرسول الكريم على لسان أبي الدرداء، أن من حفظ الآيات العشرة الأولى كانت له تميمة وحرزًا تدرأه من فتنة الدّجّال.
  • وعن صاحب الجنتَين الذي اعتمدَ على قوّته التي منحها الله تعالى له، فقال: ((أنَا أكْثَرُ مِنكَ مالًا أعَزُّ نفرًا)) سورة الكهف 34.

وقال تعالى أيضًا: (( وَلَم تَكُنْ لهُ فِئَة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا)) سورة الكهف 43.

  • وفي قصة العبد الصالح الذي قال لموسى عليه السلام: ((إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا)) سورة الكهف 67 – 68.

وفي هذه القصّة يتجسّد علم الله الذي لا يحدّه علم ولا يعلوه، وقيل لو رغم نبوّة موسى عليه السلام إلا أنّه لو استمرّ مع العبد الصالح لاكتسب من العلم معارف عظيمة، فالسرّ الربّانيّ وعلم الغيب لا نهاية له فكيف لنبيّ الله أن يعرف سبب قتل الغلام وخرق السفينة وإقامة الجدار؟

  • وأخيرًا قصة ذي القرنين الملك الذي أعطاه الله تعالى مُلكًا ومكّنه لصلاحه وآتاه لكل شيء سببًا وجال أنحاء الأرض من مشارقها إلى مغاربها، وفي قصتنا هذي يكمن صراع الموجودات المادية وفتنة الدّجال الذي يغوي بالمال والمغريات البشريّة.

وفيما يلي تعداد للقصص وَفق وُرودهم في السورة:

  • بعد الحمدلة في مطلع هذه السورة الكريمة تبشيرَا بالجنة لمن عمل صالحًا وإنذارًا بالهلاك للمشركين وكان ذلك في الآيات (1-8)
  • وتبدأ القصة الأولى عن أصحاب الكهف من الآية رقم (9) لتنتهي إلى الآية (26)
  • وفي الآيات (27- 31) توجيهات على الصمود والتصبّر، فمطلعها كان بأمر الرسول الكريم بقراءة القرآن الكريم، والتحمل والصبر على الحقّ وعدم الغرور والانجرار خلف متاع الدنيا وهواها، وتحذير من وعيد الله، وتبشيرٌ بوعده للصالحين.
  • وتدخل السورة في قصتها الثانية في الآيات (32 – 46) وفي هذه الآيات تبيان لدنو الحياة الدنيا وقِصَر أجلها وجنّة  الخلود هي رياض الله عزّ وجلّ.
  • ثم يذكر الله تبارك وتعالى في الآيات (47 – 59 ) صورًا لجحيم الآخرة ووعيده المحتوم لمن ظلم وكفر ونعيم جنته لمن كان الهدى طريقه، واستشهد بإبليس وطغيانه وتكبّره وعدم سجوده لآدم.
  • وتبدأ القصة الثالثة في الآيات (60 -77) لتسرد لنا أحداث ذي القرنين الذي قيل أنه الخضر، مع النبي موسى، وفيها تكمن عظمة المعرفة والعلم الربّاني، اللا متناهي.
  • ثم تلتفت القصة في الآيات ( 83 – 98 ) إلى قصة مبطنة للحديث عن يأجوج ومأجوج وقصة الشمس التي في عين عند قوم من الكفرة فعاقب من طغى، وأثاب من أحسن منهم.

وهكذا نختم مقالنا بهذا الإيجاز السريع لنرى عظمة الأساطير القرآنية الغابرة وما برحت إلى يومنا هذا منبع إلهام لنا لدقائق الأمور الكونية، وما فيها من تأمّل في عمق القرآن لنظلّ عاجزين عن العلم الإلهي وماثلين له ما دمنا أحياء.

اشترك و احصل على اخر الوصفات

للحصول على اخر الوصفات اشترك معنا بادخال ايميلك

    تستطيع إلغاء اشتراكك في أي وقت