آية الكرسي

تفسير آية الكرسي

إنَّ آية الكرسي هي واحدةٌ من آيات القرآن الكريم الطَّويلة، ولها فضائل عظيمة، وقد ورد في ذلك عن الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” يا أبا المنذرِ أيُّ آيةٍ في كتابِ اللَّهِ أعظمُ؟ قلتُ اللَّهُ ورسولِهُ أعلمُ، [فردَّدَها مرارًا ثمَّ] قال [أُبَيٌّ]:  اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ -فضربَ صَدري، وقالَ: ليَهْنِكَ العلمُ أبا المنذرِ، والَّذي نفسي بيدِهِ إنَّ لِهذِه الآيةِ لسانًا وشفتينِ تقدِّسُ الملِكَ عندَ ساقِ العَرشِ”، وفي ذلك دلالةٌ على عظمة الآية الكريمة.

وأمَّا تفسيرها حسب ما رأى ابن باز –رحمه الله- وغيره من أئمة التفسير أنَّ قول الله “اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ”، أي أنَّ الله –سبحانه- حيٌّ حياةً كاملةً لا يعتري تلك الحياة ضعفٌ ولا وهنٌ ولا نومٌ ولا موتٌ ولا أيّ عارضٍ آخر ولا أيُّ آفةٍ من الآفات، فهو العظيم القائم القيوم على أمور عباده والحافظ لجميع المخلوقات فلا يقوم الأمر إلا به وحده جلَّ شأنه. وهو الموجد لكلِّ شيءٍ وهو وحده المعدم له، وهو القادر على كلِّ شيء.

وأمَّا معنى ” لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ”، أي لا تأخذه ولا يصيبه سنةٌ –حاشاه- ولا يلحق به أي نعاسٍ مهما كان خفيفًا، بل حياة الله حياة كاملة لا غفلة فيها، ” لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ”، أي أنَّ الله مالكٌ كلِّ شيءٍ مالكٌ للأرض وللسموات العلا وله ما بينهما وله كلّ شيء، ” مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ”، أي لا تكون الشفاعة لأيِّ مخلوقٍ يوم القيامة إلا أن يأذن الله –جلَّ في علاه- بذلك، وحتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فإنَّه لا يشفع إلا أن يأذن الله في ذلك. وما ذلك كلّه إلا لعظمة الله وعلائه على خلقه، فهو وحده المستحقّ لذلك الإجلال العظيم في مقامه وهو رب كلّ شيء.

” يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ”، أي له وحده العلم المطلق بعباده وأحوالهم وأعمالهم، فلا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء بل له السلطان وحده، يعلم أحوال عباده الماضين والحاضرين، ويعلم ما بين يديهم وما خلفهم، ” وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ “، ولا يعلم عباده إلا ما أراد –سبحانه- أن يعلموا به وما أطلعهم عليه، وأمَّا دون ذلك فله وحده العلم به، إذ يعلم مصير عباده في الدَّار الآخرة وما ماتوا عليه في الدنيا، فلا يعلم العبد من الأمور إلا ما أراد الله أن يطلعه عليه عن طريق تعليمه على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

الكاتب

هناء محمد

الفئه

إسلاميات

نشرت يوم

03-11-2020

اجتماعي

stephanies_kitchen

” وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ”، وأمَّا الكرسي حسب ما ذهب إليه أهل العلم والتفسير والتأويل أنَّه مخلوقٌ عظيمٌ فوق السماء السَّابعة، وهو بذلك غير العرش، وقال في ذلك عبد الله بن عباس –رضي الله عنه- “إنَّه موضع قدمي رب العالمين”، ومال بعض أهل العلم إلى أنَّ الكرسي هو نفسه العرش؛ لأنَّه يطلق على العرش اسم الكرسي، والقول الأوَّل _أنَّه غير العرش- هو الرَّاجح عند أهل العلم.

” وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا”، أي لا يثقل على الله –عز وجل- أن يحفظ تلك المخلوقات ويرعاها؛ لأنَّه القادر على كلِّ شيء، فهو الحافظ للسموات والأرض وما بينهما ولا يتعبه أي شيء.

” وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ”، أي لله –تعالى- العلو الكامل ومطلق العلو، وذلك في العلو على خلقه علو الذات فهو فوق العرش، وعلوه في السلطان والعزة والقهر وله العلو الكامل –سبحانه- وهو الذي علا على العرش، وهو جلَّ في سلطانه من علا من جهة أسمائه وصفاته وقدرته على العالمين، فهو منتهى العظيمة ومنتهى العلو وبيده السلطان وحده، يتصرف بمخلوقاته كيف شاء لا تبديل لأمر الله، وبذلك ينتهي تفسير آية الكرسي والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.

فضل آية الكرسي

إنَّ آية الكرسي العظيمة قد حوت صفاتًا عظيمةً لله؛ لذلك كانت أفضل آيةٍ من آيات الله –تعالى- في كتابه الكريم، وقد سميت آية الكرسي بذلك الاسم؛ لذكر الكرسي فيها، ولها فضائل عظيمة جمَّةٌ ومن ذلك ما روي عن أبي أمامة الباهلي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ”، الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : ابن حبان | المصدر : بلوغ المرام | الصفحة أو الرقم : 97 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

وقد وردت قراءتها عند النوم؛ لأنَّها تحرس الإنسان من الشياطين حتى يصبح، ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عندما ائتمنه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على زكاة رمضان، فجعل يأتي رجل ويأخذ منها ثلاث ليالٍ وراء بعضها، فلمَّا همَّ أبو هريرة أن يأخذه إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- قال له: أطلقني وأعلمك كلمات تنفعك، ووافق على ذلك أبو هريرة فقال له إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي حتى تختمها، فلا يقربنك شيطانٌ حتى تصبح، فلمَّا أخبر أبو هريرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال له –بما معناه- صدقك وهو كذوب.

وروي عن أبي أمامة الباهلي أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “اسْمُ اللهِ الأعْظَمُ الذي إذا دُعِيَ بهِ أجابَ؛ في ثلاثِ سُوَرٍ من القُرآنِ : في (البَقرةِ) و (آلِ عِمْرانَ) ،  و(طه)”، الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 979 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

وقد علَّق على ذلك قال أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن وهو واحدٌ من رواة التَّابعين أنَّه حاول التماس ذلك فوجده في آية الكرسي في قوله تعالى الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي فاتحة سورة آل عمران الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي سورة طه قوله تعالى وعنت الوجوه للحي القيوم.

إذًا فآية الكرسي هي من الآيات التي تحفظ المسلم من شرِّ الجان والشياطين، وتحفظه إن قرأها في أول الليلة حتى يصبح، وإن قرأها في الصباح حتى يمسي، وإن قرأها دبر كل صلاةٍ لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، وفي بيان تفسير آية الكرسي حسب رأي أهل العلم والتأويل، وذكر الكثير من الأحاديث النبوية التي حضَّت على أهميتها، والله في ذلك جميعه هو أعلى وأعلم.

اشترك و احصل على اخر الوصفات

للحصول على اخر الوصفات اشترك معنا بادخال ايميلك

    تستطيع إلغاء اشتراكك في أي وقت